الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
واعترض بأنه إذا كان أراد ربك بمعنى رحم كانت الرحمة من الرب لا محالة فأي فائدة في ذكر قوله تعالى: {إِلَيْكَ مِن رَبّكَ} وكذا إذا كان مفعولًا له؛ وقيل: في الكلام حذف والتقدير فعلت ما فعلت رحمة من ربك فهو حينئذ مفعول له بتقدير إرادة أو رجاء رحمة ربك أو منصوب بنزع الخافض والرحمة بمعنى الوحي أي برحمة ربك ووحيه فيكون قوله: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِى} أي عن رأيي واجتهادي تأكيدًا لذلك {ذلك} إشارة إلى ما ذكر من العواقب المنظومة في سلك البيان، وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد درجته في الفخامة {تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع} أي تستطيع وهو مضارع اسطاع بهمز الوصل وأصله استطاع على وزن استفعل ثم حذف تاء الافتعال تخفيفًا وبقيت الطاء التي هي أصل.وزعم بعضهم أن السيرن عوض قلب الواو ألفًا والأصل أطاع ولا حاجة تدعو إلى أن المحذوف هي الطاء التي هي فاء الفعل ثم دعوى أنهم أبدلوا من تاء الاتعال طاء لوقوعها بعد السين ويقال تستيع بإبدال الطاء تاء وتستيع بحذف تاء الافتعال فاللغات أربع كما قال ابن السكيت، وما ألطف حذف أحد المتقاربين وبقاء الآخر في آخر هذا الكلام الذي وقع عنده ذهاب الخضر عن موسى عليهما السلام.وقال بعض المحققين: إنما خص هذا بالتخفيف لأنه لما تكرر في القصة ناسب تخفيف الأخير، وتعقب بأن ذلك مكرر أيضًا وذاك أخف منه فلم لم يؤت به، وفيه أن الفرق ظاهر بين هذا وذلك، وقيل: إنما خص بالتخفيف للإشارة إلى أنه خف على موسى عليه السلام ما لقيه ببيان سببه، وتعقب بأنه يبعده أنه في الحكاية لا المحكي وأنت تعلم هذا وكذا ما ذكرناه زهرة لا تتحمل الفرك والتأويل بالمعنى السابق الذي ذكر أنه المراد أي ذلك مآل وعاقبة الذي لم تستطع {عَّلَيْهِ صَبْرًا} من الأمور التي رأيت فيكون انجاز اللتنبئة الموعودة، وجوز أن تكون الإشارة إلى البيان نفسه فيكون التأويل بمعناه المشهور، وعلى كل حال فهو فذلكة لما تقدم، وفي جعل الصلة غير ما مر تكرير للتنكير وتشديد للعتاب، قيل: ولعل إسناد الإرادة أولًا: إلى ضمير المتكلم وحده أنه الفاعل المباشر للتعييب، وثانيًا: إلى ضمير المتكلم ومعه غيره لأن إهلاك الغلام بمباشرته وفعله وتبديل غيره موقوف عليه وهو محض فعل الله تعالى وقدرته فضمير ن مشترك بين الله تعالى والخضر عليه السلام.وثالثًا: إلى الله تعالى وحده لأنه لا مدخل له عليه السلام في بلوغ الغلامين واعترض توجيه ضمير الجمع بأن الاجتماع المخلوق مع الله تعالى في ضمير واحد لاسيما ضمير المتكلم فيه من ترك الأدب ما فيه.ويدل على ذلك ما جاء من أن ثابت بن قيس بن شماس كان يخطب في مجلسه صلى الله عليه وسلم إذا وردت وفود العرب فاتفق أن قدم وفد تميم فقام خطيبهم وذكر مفاخرهم ومآثرهم فلما أتم خطبته قام ثابت وخطب خطبة قال فيها من يطع الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: بئس خطيب القوم أنت.وصرح الخطابي أنه عليه الصلاة والسلام كره منه ما فيه من التسوية. وأجيب بأنه قد وقع نحو ذلك في الآيات والأحاديث، فمن ذلك قوله تعالى: {إن الله وملائكته يصلون على النبيّ} [الأحزاب: 56] فإن الظاهرأن ضمير {وملائكته يُصَلُّونَ عَلَى} راجع إلى الله تعالى وإلى الملائكة.وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث الايمان: «أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما» ولعل ما كرهه صلى الله عليه وسلم من ثابت أنه وقف على قوله بعضهما: لا التسوية في الضمير.وظاهر هذا أنه لاكراهة مطلقًا في هذه التسوية وهو أحد الأقوال في في المسألة.وثانيها: ما ذهب إليا الخطابي أنها تكره تنزيها.وثالثها: ما يفهمه كلام الغزالي أنها تكره تحريمًا.وعلى القول بالكراهة التنزيهية استظهر بعضهم أنها غير مطردة فقد تكره في مقام دون مقام وبنى الجواب عما نحن فيه على ذلك فقال: لما كان المقام الذي قام فيه ثابت مقام خطابة وإطناب وهو بحضرة قوم مشركين والإسلام غض طري كره صلى الله عليه وسلم التسوية منه فيه وأما مثل هذا المقام الذي القائل فيه والمخاطب من عرفت وقصد فيه نكتة وهو عدم استقلاله فلا كراهة للتسوية فيه.وخص بعض الكراهة بغير النبي صلى الله عليه وسلم وحينئذ يقوى الجواب عما ذكر لأنه إذا جازت للنبي صلى الله عليه وسلم فهو في كلام الله تعالى وما حكاه سبحانه بالطريق الأولى.وخلاصة ما قرر في المسألة أن الحق أنه لا كراهة في ذلك في كلام الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم كما أشير إليه في شروح البخاري وأما في حق البشر فلعل المختار أنه مكروه تنزيها في مقام دون مقام، هذا وأنا لا أقول باشتراك هذا الضمير بين الله تعالى والخضر عليه السلام لا لأن فيه ترك الأدب بل لأن الظاهر أنه كضمير {خشينا} [الكهف: 80] والظاهر في ذاك عدم الاشتراك لأنه محوج لارتكاب المجاز على أن النكتة التي ذكروها في اختيار التشريك في ضمير أردنا لا تظهر في اختياره في ضمير {فَخَشِينَا} [الكهف: 80] لأنه لم يتضمن الكلام الأول فعلين على نحو ما تضمنهما الكلام الثاني فتدبر، وقيل في وجه تغاير الأسلوب: أن الأول شر فلا يليق إسناده إليه سبحانه وأن كان هو الفاعل جل وعلا، والثالث: خير فأفرد إسناده إلى الله عز وجل.والثاني: ممتزج خبره وهو تبديله بخير منه وشره وهو القتل فأسند إلى الله تعالى وإلى نفسه نظرًا لهما.وفيه أن هذا الإسناد في {فَخَشِينَا} [الكهف: 80] أيضًا وأين امتزاج الخير والشر فيه، وجعل النكتة في التعبير ينافيه مجرد الموافقة لتاليه ليس بشيء كما لا يخفى، وقيل: الظاهر أنه أسند الإرادة في الأولين إلى نفسه لكنه تفنن في التعبير فعبر عنها بضمير المتكلم مع الغير بعد ما عبر بضمير المتكلم الواحد لأن مرتبة الانضمام مؤخرة عن مرتبة الانفراد مع أن فيه تنبيهًا على أنه من العظماء في علوم الحكمة فلم يقدم على هذا القتل إلا لحكمة عالية بخلاف التعييب.وأسند فعل الإبدال إلى الله تعالى إشارة إلى استقلاله سبحان بالفعل وأن الحاصل للعبد مجرد مقارنة إرادة الفعل دون تأثير فيه كما هو المذهب الحق انتهى، وأنت تعلم أن الأبدال نفسه مما ليس لإرادة العبد مقارنة له أصلًا وإنما لها مقارنة للقتل الموقوف هو عليه على أن في هذا التوجيه بعدما فيه.وفي الانتصاف لعل إسناد الأول إلى نفسه خاصة من باب الأدب مع الله تعالى لأن المراد ثم عيب فتأدب عليه السلام بأن نسب الإعابة إلى نفسه.وأما إسناد الثاني إلى ن فالظاهر أنه من باب قول خواص الملك أمرنا بكذا ودبرنا كذا وإما يعنون أمر الملك العظيم ودبر ويدل على ذلك قوله في الثالث {فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا} وهو كما ترى، وقيل: اختلاف الأسلوب لاختلاف حال العارف بالله سبحانه فإنه في ابتداء أمره يرى نفسه مؤثرة فلذا أسند الإرادة أولًا إلى نفسه ثم يتنبه إلى أنه لا يستقل بالفعل بدون الله تعالى فلذا أسند إلى ذلك الضمير ثم يرى أنه لا دخل له وأن المؤثر والمريد إنما هو الله تعالى فلذا أسنده إليه سبحانه فقط وهذا مقام الفناء ومقام كان الله ولا شيء معه وهو الآن كما كان، وتعقب بأنه إن أريد أن هذه الأحوال مرت على الخضر عليه السلام واتصف بكل منها أثناء المحاورة فهو باطل وكيف يليق أن يكون إذ ذاك ممن يتصف بالمرتبة الثانية فضلًا عن المرتبة الأولى وهو الذي قد أوتي من قبل العلم اللدني وإن أريد أن عبر تعبير من اتصف بكل مرتبة من تلك المراتب وإن كان هو عليه السلام في أعلاها فإن كان ذلك تعليمًا لموسى عليه السلام فموسى عليه السلام أجل من أن يعلمه الخضر عليه السلام مسألة خلق الأعمال وإن كان تعليمًا لغيره عليه السلام فليس المقام ذلك المقام على تقدير أن يكون هناك غير يسمع منه هذا الكلام وإن أريد أنه عبر في المواضع الثلاثة بأسلوب مخصوص من هاتيك الأساليب إلا أنه سبحانه عبر في كل موضع بأسلوب فتعددت الأساليب في حكايته تعالى القصة لنا تعليمًا وإشارة إلى هاتيك المراتب وإن لم يكن كلام الخضر عليه السلام كذلك فالله تعالى أجل وأعظم من أن ينقل عن أحد كلامًا لم يقله أو لم يقل ما بمعناه فالقول بذلك نوع افتراء عليه سبحانه.والذي يخطر ببال العبد الفقير أنه روعي في الجواب حال الاعتراض وما تضمنه وأشار إليه فلما كان الاعتراض الأول بناء على أن لام {لِتُغْرِقَ} [الكهف: 71] للتعليل متضمنًا إسناد إرادة الإغراق إلى الخضر عليه السلام وكان الإنكار فيه دون الإنكار فيما يليه بناء على ما اختاره المحققون من أن {نُّكْرًا} [الكهف: 74] أبلغ من {أمْرًا} [الكهف: 71] ناسب أن يشرح بإسناد إرادة التعييب إلى نفسه المشير إلى نفي إرادة الإغراق عنها التي يشير كلام موسى عليه السلام إليها وأن لا يأتي بما يدل على التعظيم أو ضم أحد معه في الإرادة لعدم تعظيم أمر الانكار المحوج لأن يقابل بما يدل على تعظيم إرادة خلاف ما حسبه عليه السلام وأنكره.ولما كان الاعتراض الثاني في غاية المبالغة والإنكار هناك في نهاية الإنكار ناسب إن يشير إلى أن ما اعترض عليه وبولغ في إنكاره قد أريد به أمر عظيم ولو لم يقع لم يؤمن من وقوع خطب جسيم فلذا أسند الخشية والإرادة إلى ضمير المعظم نفسه أو المتكلم ومعه غيره فإن في إسناد الإرادة إلى ذلك تعظيمًا لأمرها وفي تعظيمه تعظيم أمر المراد وكذا في إسناد الخشية إلى ذلك تعظيم أمرها، وفي تعظيمه تعظيم أمر المخشي.وربما يقال بناء على إرادة الضم منا: إن في ذلك الإسناد إشارة إلى أن ما يخشى وما يراد قد بلغ من العظم إلى أن يشارك موسى عليه السلام في الخشية منه، وفي إرادته الخضر لا أن يستقل بإنكار ما هو من مبادي ذلك المراد وبه ينقطع عن الأصلين عرق الفساد، ولما كان الاعتراض الثالث هينا جدا حيث كان بلفظ لا تصلب فيه ولا ازعاج في ظاهره وخافيه ومع هذا لم يكن على نفس الفعل بل على عدم أخذ الأجرة عليه لستعان بها على آقامة جدار البدن وإزالة ما أصابه من الوهن فناسب أن يلين في جوابه المقام ولا ينسب لنفسه استقلالًا أو مشاركة شيئًا ما من الأفعال فلذا أسند الإرادة إلى الرب سبحانه وتعالى ولم يكتف بذلك حتى أضافه إلى ضميره عليه السلام، ولا ينافي ذلك تركير النكير والعتاب لأنه متعلق بمجموع ما كان أولًا من ذلك الجناب، هذا والله تعالى أعلم بحقيقة أسرار الكتاب وهو سبحانه الموفق للصواب، واستدل بقوله: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِى} القائلون بنبوته عليه السلام وهو ظاهر في ذلك واحتمال أن يكون هناك نبي أمره بذلك عن وحي كما زعمه القائلون بولايته احتمال بعيد على أنه ليس في وصفه بقوله تعالى: {آتيناه رَحْمَةً مّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا} [الكهف: 65] على هذا كثير فائدة بل قد يقال: أي فائدة في هذا العلم اللدني إذا احتاج في إظهار العجائب لموسى عليه السلام إلى توسيط نبي مثله، وقال بعضهم: كان ذلك عن إلهام ويلزمه القول بأن الإلهام كان حجة في بعض الشرائع وأن الخضر من المكلفين بتلك الشريعة وإلا فالظاهر أن حجيته ليست في شريعة موسى عليه السلام وكذا هو ليس بحجة في شريعتنا على الصحيح، ومن شذ وقال بحجيته اشترط لذلك أن لا يعارضه نص شرعي فلو أطلع الله تعالى بالإلهام بعض عباده على نحو ما اطلع عليه الخضر عليه السلام من حال الغلام لم يحل له قتله، وما أخرجه الإمام أحمد عن عطاء أنه قال: كتب نجدة الحروري إلى ابن عباس يسأله عن قتل الصبيان فكتب إليه إن كنت الخضر تعرف الكافر من المؤمن فاقتلهم إنما قصد به ابن عباس كما قال السبكي المحاجة والإحالة على ما لم يكن قطعًا لطمعه في الاحتجاج بقصة الخضر وليس مقصوده رضي الله تعالى عنه أنه إن حصل ذلك يجوز القتل فما قاله اليافعي في روضه من أنه لو أذن الله تعالى لبعض عباده أن يلبس ثوب حرير مثلًا وعلم الإذن يقينا فلبسه لم يكن منتهكًا للشرع وحصول اليقين له من حيث حصوله للخضر بقتله للغلام إذ هو ولي لا نبي على الصحيح انتهى عثرة يكاد أن لا يقال لصاحبها لعا لأن مظنة حصول اليقين اليوم الإلهام وهو ليس بحجة عند الأئمة ومن شذ اشترط ما اشترط، وحصوله بخبر عيسى عليه السلام إذا نزل متعذر لأنه عليه السلام ينزل بشريعة نبينا صلى الله عليه وسلم ومن شريعته تحريم لبس الحرير على الرجال ألا للتداوي وما ذكره من نفي نبوة الخضر لا يعول عليه ولا يلتفت إليه، وممن صرح بأن الإلهام ليس بحجة من الصوفية الإمام الشعراني وقال: قد زل في هذا الباب خلق كثير فضلوا وأضلوا، ولنا في ذلك مؤلف سميته حد الحسام في عنق من أطلق إيجاب العمل بالإلهام وهو مجلد لطيف انتهى، وقال أيضًا في كتابه المسمى بالجواهر والدرر: قد رأيت من كلام الشيخ محي الدين قدس سره ما نصه اعلم أنا لا نعني بملك الإلهام حيث أطلقناه إلا الدقائق الممتدة من الأرواح الملكية لا نفس الملائكة فإن الملك لا ينزل بوحي على غير قلب نبي أصلا ولا يأمر بأمر الهي جملة واحدة فإن الشريعة قد استقرت وتبين الفرض والواجب وغيرهما فانقطع الأمر الإلهي بانقطاع النبوة والرسالة وما بقي أحد يأمره الله تعالى بأمر يكون شرعًا مستقلًا يتعبد به أبدًا لأنه أن أمره بفرض كان الشارع قد أمر به وان أمره بمباح فلا يخلو إما أن يكون ذلك المباح المأمور به صار واجبًا أو مندوبًا في حقه فهذا عين نسخ الشرع الذي هو عليه حيث صير المباح الشرعي واجبًا أو مندوبًا وإن أبقاه مباحًا كما كان فأي فائدة للأمر الذي جاء به ملك الإلهام لهذا المدعي فإن قال: لم يجئني ملك الإلهام بذلك وإنما أمرني الله تعالى بلا واسطة قلنا: لا يصدق في مثل ذلك وهو تلبيس من النفس، فإن ادعى أن الله سبحانه كلمه كما كلم موسى عليه السلام فلا قائل به، ثم إنه تعالى لو كلمه ما كان يلقي إليه في كلامه إلا علومًا وأخبارًا لا أحكامًا وشرعًا ولا يأمره أصلًا انتهى.وقد صرح الإمام الرباني مجدد الألف الثاني قدس سره العزيز في المكتوبات في مواضع عديدة بأن الإلهام لا يحل حرامًا ولا يحرم حلالًا ويعلم من ذلك أنه لا مخالفة بين الشريعة والحقيقة والظاهر والباطن وكلامه قدس سره في المكتوبات طافح بذلك، ففي المكتوب الثالث والأربعين من الجلد الأول أن قومًا مالوا إلى الإلحاد والزندقة يتخيلون أن المقصود الأصلي وراء الشريعة حاشا وكلا ثم حاشا وكلا نعوذ بالله سبحانه من هذا الاعتقاد السوء فكل من الطريقة والشريعة عين الآخر لا مخالفة بينهما بقدر رأس الشعيرة وكل ما خالف الشريعة مردود وكل حقيقة ردتها الشريعة فهي زندقة، وقال في أثناء المكتوب الحادي والأربعين من الجلد الأول أيضًا في مبحث الشريعة والطريقة والحقيقة: مثلًا عدم نطق اللسان بالكذب شريعة ونفي خاطر الكذب عن القلب إن كان بالتكلف والتعمل فهو طريقة وان تيسير بلا تكلف فهو حقيقة ففي الجملة الباطن الذي هو الطريقة والحقيقة مكمل الظاهر الذي هو الشريعة فالسالكون سبيل الطريقة والحقيقة أن ظهر منهم في أثناء الطريق أمور ظاهرها مخالف للشريعة ومناف لها فهو من سكر الوقت وغلبة الحال فإذا تجاوزوا ذلك المقام ورجعوا إلى الصحو ارتفعت تلك المنافاة بالكلية وصارت تلك العلوم المضادة بتمامها هباء منثورًا.
|